السبت، 24 يونيو 2017

التهيئة الحافزة



من المعروف أن التهيئة الحافزة جزء ضروري من أجزاء الموقف التعليمي؛ إنها تأخذ المتعلم بلطف إلى جو الدرس، وتفتح مسام تفكيره للتفاعل الإيجابي مع معطيات الدرس الجديد، كما أن التهيئة وسيلة من وسائل إثارة الدافعية التي تعد ضرورة من ضرورات نجاح التعلم.
وينبغي أن نتنبه إلى أن التهيئة الحافزة ليس مكانها فقط مستهل الدرس، وإنما هناك تهيئات انتقالية حينما يتحول المعلم من هدف إلى آخر؛ ليحافظ على انتباه المتعلم نشطا على مدار الموقف الصفي.
والحديث الشريف الذي نقف أمامه متأملين يعرض لنا نموذجا من التهيئة الحافزة التي تثير خيال المتعلم وتفتح شهيته للمتابعة والتفاعل، حتى يجد نفسه في النهاية قد اكتسب الخبرة المقصودة في وضوح وفي استمتاع، وبيسر وسهولة.
خرّج مسلم في صحيحه عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: « أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْراً بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟ » قَالُوا لاَ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ، قَالَ « فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا »
كان يمكن للرسول صلى الله عليه وسلم أن يعلن الخبرة تلقينا مباشرا ويقول لنا إن الصلاة سبب لمغفرة الذنوب.
ولكنه لم يفعل ذلك؛ ليعلم الناس طرائق التعلم النشطة
وتأمل الحديث الشريف كيف هيأ للتعلم وكيف حافظ على إبقاء المتعلم نشطا حتى النهاية.
فعرض في البداية سؤالا يُحفِّز العقل، ويثير الخيال فقال: " أرأيتم"
ثم جعل كل متعلم يرسم بخياله صورة لمشهد درامي كأنّه يُعرض أمامه على شاشة عرض كبيرة، يتكون هذا المشهد من نهر جار ملاصق لباب المنزل، وفهمنا قرب النهر من المنزل من عبقرية حرف الجر الباء في قوله" بباب "
والعنصر الثاني من عناصر المشهد هو مشهد الاغتسال، فصاحب المنزل يغتسل في هذا النهر الشديد القرب كل يوم خمس مرات.
كما أن صاحب المنزل يغتسل في استمتاع دون معاناة فالنهر بالباب!
ولعل خيال المتعلِّمين قد عاش مستمتعا مع هذا المشهد، وأخذ يفكر فيه كل فرد حسب قدراته العقلية، وشرع كل فرد يُحلِّق به خياله في عوالم متعددة، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحدِّد مجرى التفكير، وأن يضع معالم لمسار الخيال، وأن يُبقِيَ المتعلِّم نشطا فطرح سؤالا جديدا:
هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيءٌ؟
هذا السؤال أخذ المتعلمين من عوالم أفكارهم وخيالهم، وجمعهم جميعا على فكرة واحدة يُعملون فيها فكرهم، ويشحذون ذكاءهم، فكانت الإجابة المنطقية واحدة؛ فهذا الاغتسال المتكرر في أوقات متباعدة في هذا النهر القريب يزيل كل درن ويبقي الجسم نظيفا نظافة تامة ونظافة دائمة
لاَ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ
وبعد أن قاد النبي صلى الله عليه وسلم المتعلمين - رضي الله عنهم - إلى هذه النتيجة التي فكَّروا فيها بأنفسهم، واستنتجوا ثمرتها بأنفسهم- وهذا هو التعلم الذي تسعى إليه التربية الحديثة- عرض الخبرة عرضا شائقا ماتعا
فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا
ستبقى هذه الخبرة ممثلة في أن الصلاة يمحو الله بها الخطايا،
ستبقى ماثلة في الوجدان، باقية في العقل؛ لأنها أتت نتيجة للتعلم، ولم تأت عن طريق التلقين
وسيبقى أثر التعلم؛ لأنه ارتبط بتهيئة حافزة مناسبة
وسيبقى أثر التعلم؛ لأنه جرى من خلال مشهد حسي، وتفاعل درامي
وسيبقى أثر التعلم؛ لأنه جعل للتعلم معنى مرتبطا بسلوك المسلم في حياته

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أحدث المشاركات على المدونة

كم من المال ستربح من 5 دولار في ساعتين؟

كم من المال ستربح من 5 دولار في ساعتين؟ ماذا كنت لتفعل لو أعطوك 5 دولار من المال وساعتين من نهار لتستثمرها؟ هذا كان عنوان الفرض / الواجب ...

الأكثر مشاهدة