السبت، 24 يونيو 2017

استراتيجية العصف الذهني من السنة النبوية



في السنة النبوية كنوز تربوية، ما على المسلم إلا أن يبحث عنها، ويقف أمامها متأمِّلا مُعمِلا فكره، حينئذ تتفتح له خزائن من العلم، وتتدفق عليه معلومات عظيمة النفع باقية الأثر.
فلنتأمَّل معا هذا الحديث الشريف الذي أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
« إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَهِىَ مَثَلُ الْمُسْلِمِ ، حَدِّثُونِى مَا هِىَ » فَوَقَعَ النَّاسُ فِى شَجَرِ الْبَادِيَةِ ، وَوَقَعَ فِى نَفْسِى أَنَّهَا النَّخْلَةُ . قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَاسْتَحْيَيْتُ . فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَخْبِرْنَا بِهَا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « هِىَ النَّخْلَةُ » . قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَحَدَّثْتُ أَبِى بِمَا وَقَعَ فِى نَفْسِى فَقَالَ لأَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِى كَذَا وَكَذَا" البخاري
وفي رواية أخرى: فَوَقَعَ النَّاسُ فِى شَجَرِ الْبَوَادِى
وعند مسلم " قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَأُلْقِىَ فِى نَفْسِى أَوْ رُوعِىَ أَنَّهَا النَّخْلَةُ فَجَعَلْتُ أُرِيدُ أَنْ أَقُولَهَا فَإِذَا أَسْنَانُ الْقَوْمِ فَأَهَابُ أَنْ أَتَكَلَّمَ"
" قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَوَقَعَ فِى نَفْسِى أَنَّهَا النَّخْلَةُ وَرَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لاَ يَتَكَلَّمَانِ فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ أَوْ أَقُولَ شَيْئاً"
ماذا يفيض عينا هذا الحديث الشريف من العلم؟
إنه يوجه رسالة إلى كل معلم، تقول له: أيها المعلم كلامك أغلبه قائم على السؤال، فأعدّ أسئلتك إعدادا حسنا حتى تتمكن من تعليم التفكير؛ ولأن السؤال له هذه الأهمية جاءت المقولة المشهورة
حُسن السؤال نصف العلم
وتأمل سؤال النبي صلى الله عليه وسلم، تجده سؤالا يعلم التفكير، ويخاطب المهارات التفكيرية العليا:
• فالسؤال يطلب شجرة لها مواصفات خاصة تضيق المطلوب شيئا فشيئا:
• فهي من شجر البادية، فخرج بهذا شجر الحاضرة
• وهي شجرة لا يسقط ورقها، فخرج بهذا كل شجرة يسقط ورقها
• وهي شجرة ذات صفات خاصة تماثل صفات في الشخصية المسلمة
ولك أن تتخيل معي المجموعة الكبيرة من العمليات العقلية التي يقوم بها العقل؛ ليصل إلى الإجابة المطلوبة، فالعقل يستعرض
أولا: الشجر المتوفر في البيئة، ثم يستبعد مجموعة الشجر التي لا ينطبق عليها كونها من البادية
ثانيا: يستعرض الشجر الذي لا يسقط ورقها، ويستبعد الشجر الذي يسقط ورقها
ثالثا: أصبح عنده الآن قائمة مصنَّفة من شجر البادية، عليه الآن أن ينشئ قائمة أخرى من صفات المسلم، ثم يقوم بعمليات مقارنة بين صفات الشجرة وصفات المسلم، ويستبعد ما يستبعد شجرة شجرة حتى يصل إلى الجواب الصحيح.
والسؤال كذلك يقول للمسؤول ( حدثوني ) فالسؤال يطلب شرحا وتوضيحا، فالمطلوب ليس اسم الشجرة فقط، وإنما بيان العلاقة بينها وبين المسلم
" فوقع الناس في شجر البادية أو البوادي"
إن هذه الطريقة التي عالجت السؤال هي المعروفة الآن بالعصف الذهني، وسياق الحديث الشريف يبين كثرة الإجابات وتعددها، ومن ذلك الفعل( وقع ) وهذا الوقوع أتي من عدد كبير يوحي به كلمة ( الناس ) ، وكثرة الشجر يوحي به ما جاء في الرواية الأخرى من صيغة جمع البادية ( البوادي )
بقي في هذا الحديث الشريف شيء آخر ينبغي أن يلتفت إليه المعلم ولا يهمله أبدا، ذلك وهو حسن العلاقة بينه وبين المتعلم، وإشعار المتعلم دائما بالأمن ، وهذا يدفعه إلى أن يفصح عما يجول في خاطره من أفكار، وكذلك على المعلم- اقتداء بالحديث الشريف – أن يهتم بالتعزيز والتحفيز الذي يؤثر في المتعلم ويشعره بالإنجاز ويزيد دافعيته نحو التعلم.
هذا الذي ذُكر في الفقرة السابقة مُستفاد من العلاقة بين الأب وابنه، بين عمر وعبد الله رضي الله عنهما، فالأب هيّأ لابنه سبل طلب العلم، فكان يصطحبه إلى مجالس العلم، والابن أفضى لأبيه بمعرفته إجابة السؤال الذي طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشرح لأبيه السبب الذي جعله يحجم عن الإجابة، وهو الحياء ففي المجلس من هو أكبر منه سِنًّا ومقاما، تأمل هذا الأدب من عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:
(فَجَعَلْتُ أُرِيدُ أَنْ أَقُولَهَا فَإِذَا أَسْنَانُ الْقَوْمِ فَأَهَابُ أَنْ أَتَكَلَّمَ)
(وَرَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لاَ يَتَكَلَّمَانِ فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ )
كان يمكن للأب أن يقول لابنه: بارك الله فيك يابني فأنت مؤدب وتوقِّر الكبير
أو يقول له: شكرا يابني فقد أنقذتني من حرج كنتَ ستسبِّبه بسبب إجابتك
لم يقل الأب العظيم شيئا من ذلك، وإنما أعلن في بهجة صادقة أنَّ ما توصل إليه ابنه إنما هو عمل عظيم لا عِدلَ له، وهذا ما تسميه التربية التعزيز، تأمل عبارة الأب العظيم رضي الله عنه:
( لأَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِى كَذَا وَكَذَا)
أيها المعلم
 أعد أسئلتك إعدادا جيدا، ولا تلقي بها دون إعداد مسبَّق
 تجنب الأسئلة السطحية التي لا يكتنفها التفكير
 تجنب وأنت تعلم أسئلة ( القص واللصق)
 وظف الطرائق التي تعلم التفكير كالعصف الذهني
 الزم التعزيز المصاحب للإنجاز والمؤثر في تقوية الدافعية
 تجنب التعزيز الآلي الذي يجري على اللسان بغير اهتمام
 نوِّع التعزيز واتخذ لنفسك إستراتيجية من إستراتيجيات التعزيز وما أكثرها!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أحدث المشاركات على المدونة

كم من المال ستربح من 5 دولار في ساعتين؟

كم من المال ستربح من 5 دولار في ساعتين؟ ماذا كنت لتفعل لو أعطوك 5 دولار من المال وساعتين من نهار لتستثمرها؟ هذا كان عنوان الفرض / الواجب ...

الأكثر مشاهدة